للدخول الى صفحة الكتاب المقدس مع التفسير برجاء الضغط على العنوان
للدخول الى صفحة قطمارس الكنيسة القبطية برجاء الضغط على العنوان
غذائنا اليومي ( دراسة الكتاب المقدس فى عـام )
للدخول الى صفحة غذائنا اليومي برجاء الضغط على العنوان
حياة الفرح الروحي
الفرح الروحي ليس مجرد شعور عابر بالبهجة، بل هو حالة وجودية عميقة تعكس حضور الله في حياة الإنسان. ويُعتبر الفرح عطية إلهية نابعة من الروح القدس { وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ} (غل ٥: ٢٢). الفرح الروحي يرتبط بالحياة الجديدة في المسيح ومن علاقة المؤمن وعشرته مع الله التي تمنحه ثقة وثبات حتي في مواجهة الظروف الصعبة والمشقات. بينما ينظر علم النفس إلى الفرح كجزء من الصحة النفسية والرفاهية الإنسانية والعلاقات الأجتماعية السوية وسعي الإنسان الإيجابي ليحيا حياة الرضا والشكر والقناعة ومواجهة الحياة بايجابية.
أولاً: الفرح الروحي في الكتاب المقدس
+ المصدر الإلهي للفرح .. الله هو مصدر فرحنا وخلاصنا فشخصه المبارك ومحبته ووعوده واحساناته المتجددة واتكالنا عليه يهبنا الفرح { لأَنَّهُ بِهِ تَفْرَحُ قُلُوبُنَا، لأَنَّنَا عَلَى اسْمِهِ الْقُدُّوسِ اتَّكَلْنَا.} (مز ٣٣: ٢١).{ أَمَّا نَفْسِي فَتَفْرَحُ بِالرَّبِّ وَتَبْتَهِجُ بِخَلاَصِهِ.} (مز ٣٥: ٩). لقد فرح التلاميذ بنجاحهم في ارساليتهم وان السيد المسيح اعطاهم السلطان لأخراج الشياطين فقال لهم الرب عندما رجعوا اليه أن يفرحوا بالحري بأن اسمائهم كتبت في السماء { هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ. وَلكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ».} (لو ١٠: ١٩، ٢٠)
+ يقول الرسول بولس: { افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا} (في 4: 4). هنا يرتبط الفرح بالرب، لا بالظروف وجود الله معنا مصدر للفرح الروحى، الذي ينزع عنا القلق والخوف ويمنحنا سلام ويجعل كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله حتى وسط المرض والتجارب نجد سلام وتعزية من الله
{ مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ.} (٢ كو ١: ٣، ٤). هكذا راينا حبقوق النبي ينشد ترنيمة الفرح وسط الظروف المحيطة به من أعداء وظروف اقتصادية صعبة { فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي. اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي، وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ كَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي.} (حب ٣: ١٧-١٩)
+ لقد وعد السيد المسيح تلاميذه بانه يعطيهم الفرح { لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم} (يو 15: 11). الله يستجيب لطلباتنا ليكون فرحنا كاملاً { وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً. }(يو ١٦: ٢٢، ٢٤). الفرح نطلبه بايمان من الله كثمرة لعمل الروح القدس فينا وياتي من علاقة عميقة بالله، وليس مجرد انفعال نفسي. وفي تسبحة القديسة مريم العذراء نراها تبتهج بالله مخلصها في سيمفونية تسبيح وشكر لله { فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ}(لو ١: ٤٦-٤٩). فهل نحن نفرح بخلاص الله وعمله معنا ونتأمل محبته العاملة في الأحداث من اجلنا ونفرح حتى بنجاح وعمل الله مع اخوتنا {فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ.} (١ كو ١٢: ٢٦).
+ الله لا يشاء هلاك أحد بل يفرح بخاطئ واحد يتوب فعلينا ان نتوب عن كل شر وخطية ونصلي وندعو بمحبة لتوبة البعيدين لنفرح ونفرح الله وملائكته وقديسيه { أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ. }(لو١٥: ٧). وفي عودة الأبن الضال ورجعوه لأبيه قال ألأب لأبنه الأكبر المتذمر { وَلكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَفْرَحَ وَنُسَرَّ، لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالُا فَوُجِدَ».} (لو ١٥: ٣٢). لنسعى أذاً لتوبة الجميع لنفرح الله والسمائيين.
ثانياً: الفرح الروحي في فكر آباء الكنيسة ..
+ القديس أثناسيوس الرسولي يؤكد أن الفرح الحقيقي هو نتيجة اتحاد النفس بالمسيح، وأن الانتصار على الخطية يهب الإنسان سلامًا وفرحًا داخليًا.
+ أما القديس مقاريوس الكبير فيرى أن الفرح هو علامة سكنى الروح القدس في القلب، إذ قال: "حيثما يوجد الروح القدس، يكون الفرح والراحة الحقيقية. ويشدد ألقديس أبولو علي أهمية الفرح كعلامة للبنوة لله والتمتع بمحبته الله وابوته وبوعده لنا بملكوته السماوي.
+ ويشدد القديس يوحنا ذهبي الفم علي أن الفرح الروحي لا يعتمد على الظروف الخارجية، بل ينبع من القلب الذي يتحد بالرب، حتى وسط الألم والاضطهاد.
+ يرى القديس اغسطينوس ان الفرح هو في الارتباط بالله ويقول "إن شئت أن يكون فرحك ثابتاً باقياً التصق بالله السرمدي ذاك الذي لا يعتريه تغيير" ويرجع القديس اغسطينوس الفرح الي عطية الروح القدس المعزى الذي يعطى الرجاء في محبة الله وإيمان بغفرانه لخطايانا ويعطى فهم عميق للألم حتى أن القديسين يفرحون بالألم { اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.} (يع ١: ٢-٤).
+ يكتب قداسة البابا شنوده الثالث عن الفرح الروحي باعتباره ثمرة حياة التوبة، إذ قال: "الإنسان التائب يعيش فرح الغفران، وفرح الشركة مع الله، وفرح النصرة على الذات".
ثالثاً: الفرح من منظور علم النفس
+ في علم النفس الإيجابي، يعرّف الفرح كحالة من المشاعر الإيجابية المرتبطة بالرضا والقبول والامتنان ويرتبط بالمشاعر الإيجابية والادراك الذاتي والأنجازات (Seligman, 2002). يُعتبر الفرح مؤشرًا على الصحة النفسية، ومصدرًا للتوازن العاطفي.
+ العلاقة بين الروح والنفس.. إن الفرح الروحي يُسهم في تعزيز المناعة النفسية ضد الاكتئاب والقلق. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الممارسات الروحية (مثل الصلاة، التسبيح، التأمل) ترتبط بارتفاع مستوى المشاعر الإيجابية (Koenig, 2012). فالفرح يرفع قدرة الإنسان على مواجهة الضغوط، وينشط الجهاز العصبي الإيجابي، ويزيد من إفراز هرمونات السعادة مثل السيروتونين والدوبامين.
رابعاً: تكامل الرؤية الروحية والنفسية
الفرح الروحي يتجاوز الفرح النفسي لأنه متجذر في خبرة الاتحاد بالله. ومع ذلك، يتكامل الاثنان في حياة الإنسان فالفرح الروحي يعمّق الفرح النفسي ويمنحه معنى أبدي والممارسات النفسية كالتفكير الإيجابي وإدارة الضغوط تهيئ النفس لقبول عطية الفرح الروحي.
والكنيسة القبطية تعلّم المؤمن أن الفرح لا ينفصل عن الصليب، فوسط الألم يوجد رجاء وفرح، وهذا ينسجم مع رؤية علم النفس لمفهوم النمو بعد الصدمات.
+ إن الفرح الروحي هو عطية إلهية تثمر الشركة مع المسيح، وهو في فكر الكنيسة القبطية علامة أساسية لحياة الإنسان الجديد. بينما ينظر علم النفس إلى الفرح كعامل من عوامل الصحة النفسية، فإن التكامل بين النظرتين يكشف أن الفرح الروحي يعلو فوق الظروف، ويحوّل الألم إلى رجاء. إنه الفرح الذي يختبره المؤمن يعمق إيمانه بخلاص الله ومحبته وسلامه، فيكون شهادة للعالم عن حضور الله في النفس البشرية.
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المراجع
تُعد الصلاة من أهم الممارسات الروحي، إذ تُشكل الصلة الحيّة بين الله والإنسان، ومصدر التجديد الداخلي والقوة والبركات الروحية والتعزية. فهي ليست مجرد طقوس او فرض بل هي خبرة حياة وعلاقة شخصية عميقة، تغذي الروح وتجعل المؤمن يتقوى وينسجم مع نفسة ومع الله. وقد شدد الكتاب المقدس وآباء الكنيسة على أن الصلاة هي قوة للنفس وغذاء الروح، وهي الوسيلة المتاحة لنا للاتصال بالله، فهي ينبوع النعم الروحية والنصرة علي حيل إبليس وأغراءات العالم، الصلاة تقدس المؤمن والوقت وتعطي توبة وخشوع واتضاع. وللصلاة أنواع منها كالصلوات الفردية من الأجبية كصلوات الساعات والصلوات السهمية والتاملية والصلوات الأسرية او الجماعية في الكنيسة من تسبحة وصلوات باكر وعشية وصلوات ليتروجية كالقداس والاعياد والمناسبات الكنسية المختلفة وكلمنا نما المؤمن في حياته الروحية تحولت حياته الي صلاة دائمة {أَمَّا أَنَا فَصَلاَةٌ.} (مز ١٠٩: ٤). وقد علمنا السيد المسيح أن نصلي بلجاجة كما في مثل قاضي الظلم وصديق نصف الليل لكى نصلي كل حين ولا نمل {أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ}(لو ١٨: ١). ويؤكد علم النفس الحديث دور الصلاة في تحقيق التوازن النفسي والطمأنينة الداخلية.
أولاً: الصلاة في الكتاب المقدس
+ الصلاة كوصية إلهية
ألله يطلب منا ان نصلي ونطلب وجهه ونرجع عن طرقنا الردية ليسمع لنا ويقبل توبتنا ويستجيب لصلواتنا { فَإِذَا تَوَاضَعَ شَعْبِي الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ وَصَلَّوْا وَطَلَبُوا وَجْهِي، وَرَجَعُوا عَنْ طُرُقِهِمِ الرَّدِيةِ فَإِنَّنِي أَسْمَعُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَغْفِرُ خَطِيَّتَهُمْ وَأُبْرِئُ أَرْضَهُمْ. }( ٢أخ ٧: ١٤). كما طلب منا الرب يسوع المسيح أن نسهر ونصلي لكي لا ندخل في تجربة { اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ.} (مت ٢٦: ٤١) ويأمرنا الكتاب { صلّوا بلا انقطاع}(1 تس 5: 17). فالصلاة أمر جوهري يرافق حياتنا اليومية.
+ الصلاة علاقة شخصية مع الله
علّمنا المسيح نفسه أن الصلاة هي دخول في عمق العلاقة مع الآب { وأمّا أنت فمتى صلّيت فادخل إلى مخدعك وأغلق بابك وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء} (مت 6: 6). والصلاة وسيلتنا لنوال الغفران بشرط أن نغفر للغير {لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَاغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ زَّلاَتِكُمْ.}(مر ١١: ٢٤، ٢٥)
+ الصلاة مصدر لحياة النصرة والسلام
يربط الكتاب المقدس الصلاة بالقوة الروحية والنصرة
وهكذا صلي يهوشفاط لله وانتصر { يَا إِلهَنَا أَمَا تَقْضِي عَلَيْهِمْ، لأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا». }( ٢أخ ٢٠: ١٢). وكما علما السيد المسيح له المجد ان النصرة علي إبليس تعتمد علي الصلاة والصوم
{ فَقَالَ لَهُمْ: «هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ». }(مر ٩: ٢٩). والصلاة مصدر للسلام الداخلي { لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلَم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع} (في 4: 6-7).
ثانياً: الصلاة في فكر آباء الكنيسة
+ يصف القديس أثناسيوس الرسولي الصلاة بأنها "ارتفاع القلب والعقل نحو الله"، مؤكداً أنها تجعل المؤمن يثبت في المسيح. اما القديس مقاريوس الكبير فيرى أن الصلاة الحقيقية ليست مجرد كلمات، بل هي انفتاح القلب على عمل الروح القدس في الداخل، لتصير النفس مسكنًا لله.
+ والقديس أغسطينوس يربط بين الصلاة والرغبة العميقة في الله، فقال: "إن صلاتنا هي تعبير عن شوق القلب إلى الله الذي لا يرتاح المؤمن إلا فيه". ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم " الصلاة سلاح عظيم، و كنز لا يفرغ، وغنى لا يسقط ابدا، ميناء هادىء وسكون ليس فيه اضطراب. هي مصدر واساس لبركات لا تحصى، فعندما تشرق نور الشمس تهرب الوحوش الضاربة وتختبىء فى اوجرتها و هكذا حينما نبتدىء فى الصلاة. فهى شعاع يشرق علينا فيستضىء العقل بنورها وحينئذ تهرب كل الشهوات الجاهلة وتتبدد. فقط علينا ان نصلى بشجاعة و فكر مضبوط فاذا كان الشيطان قريبا منا يطرد. وتهرب الارواح الشريرة.
+ يقول القديس مار أفرام السرياني " أتريد أن تقني الصلاة الدائمة؟ اجتهد في الصلاة ، وحينما يرى الرب غيرتك وهمتك وسعيك في الصلاة يعطيك إياها". اما القديس باسليوس الكبير فيرى أن الصلاة هي عمل مرتفع متعالي على جميع الفضائل ويقول " لا تشته أن تصلي إلا عندما تنقي نفسك من طياشة الأفكار، بل أعلم أن من مداومتك في الصلاة وكثرة التعب فيها تبطل الطياشة وتنقطع من القلب". ويرى ان الصلاة التصاق بالله في جميع لحظات الحياة ومواقفها، فتصبح الحياة صلاة واحدة بلا انقطاع ولا اضطراب.
ثالثا: علم النفس والتكامل الروحي والنفسي
+ الصلاة كوسيلة للتوازن النفسي فتُشير أبحاث علم النفس الإيجابي إلى أن الصلاة تمثل وسيلة فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية، إذ تُقلل من القلق والاكتئاب وتزيد من مشاعر الطمأنينة (Koenig, 2012). ويرى فيكتور فرانكل، رائد العلاج بالمعنى، أن الصلاة تساعد الإنسان على إيجاد معنى أعمق لحياة المؤمن وسط الألم والضغوط، لأنها تربطه بمصدر متجاوز لذاته. والصلاة المشتركة داخل الأسرة أو الجماعة تعزز من الروابط الاجتماعية والتعاطف (Pargament, 2007).
+ الصلاة بحسب الرؤية الكتابية والآبائية لا تقتصر على الجانب الروحي فحسب، بل تمتد إلى الجانب النفسي. فهي تهب سلام القلب وسط الاضطراب. وتمنح قوة الإرادة لمواجهة التجارب. وتحقق انسجامًا داخليًا بين العقل والنفس والروح. وتزرع الرجاء وسط الألم واليأس.
+ إن الصلاة هي سر الحياة المسيحية الحقيقية، فهي لقاء شخصي مع الله، ومصدر لقوة النفس وتجديد الروح. وتُعد الصلاة جوهر الوجود المسيحي، وفي علم النفس الحديث تُعتبر وسيلة فعّالة لتحقيق الصحة النفسية والتوازن الداخلي، وبالتالي يمكن القول إن الصلاة تمثل جسرًا بين الروحي والنفسي، بين ما هو أبدي وما هو زمني، فتقود الإنسان إلى حياة متكاملة في المسيح.
رابعاً: استجابة الله لصلواتنا
إن السؤال الذي يتكرر من كثيرين هو: هل يستجيب الله حقًا لصلواتنا؟ وكيف ومتى؟. يقدّم لنا الكتاب المقدس إجابة واضحة عن أمانة الله في الإصغاء لصلوات شعبه، كما يؤكد آباء الكنيسة أن استجابة الله تُفهم في ضوء مشيئته الصالحة والخلاصية للإنسان. الله يسمع لصلواتنا { الرب قريب من كل الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق} (مز 145: 18). ويؤكد في إشعياء النبي: { ويكون أني قبلما يدعون أنا أُجيب، وفيما هم يتكلمون بعد أنا أسمع} (إش 65: 24). لكن نحتاج للإيمان بعمل الله معنا وأن نقبل توقيت الله وحكمته فقد يستجيب الله فورًا كما في شفاء بطرس للأعرج (أع 3: 6-8)، او كما في اخراج بطرس من السجن او بقوله هذا المرض صالح لأجل خلاصك { مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. }(٢ كو ١٢: ٨، ٩). أو يري الله أن تأجيل الاستجابة لمصلحة أعمق، كما في أقامة لعازر: { هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله} (يو 11: 4). وأحيانًا تكون الاستجابة بـ«لا»، إذا كان ما يطلبه الإنسان لا يتفق مع خطة الله لخلاصه (2كو 12: 8-9). فالله، كأب محب، يعرف ما هو خير لأولاده أكثر مما يعرفوا هم لأنفسهم. والقديس مار إفرام السرياني يشير إلى أن الصلاة تغيّر قلب المصلّي أكثر مما تغيّر الظروف: «الصلاة الحقيقية ليست تغيير فكر الله، بل تغيير قلب الإنسان». وعلينا أن ندرك أن استجابة الله سواء بالإيجاب أو الانتظار يجب أن نقبله ليهب الإنسان سلام داخلي (في 4: 6-7). وثقة في محبة الله رغم عدم فهمنا أحياناً لكن علينا قبول أرادة الله بشكر وأن ننمو في الإيمان حيث يتعلم الإنسان أن يتكل على الله لا على ذاته. ويقبل إرادة الله الصالحة التي تهدف إلى خلاصه الأبدي. سواء كانت الاستجابة بنعم أو "لا" أو "انتظر" كتعبير عن محبة الله الفائقة وحكمته غير المحدودة.
المراجع
سلام النفس في عالم مضطرب
يعيش الإنسان المعاصر في عالم متسارع مضطرب، نتعرض فيه للعديد من الضغوط الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية، مما يذيد الصراعات الداخلية الناتجة عن الخوف، القلق، والشعور بعدم الأمان. وفي وسط هذه العواصف تتذايد الحاجة إلى "سلام النفس"، ذلك السلام الداخلي العميق لا يعتمد في الحقيقة على الظروف الخارجية، بل ينبع من علاقة روحية حية بالله، ويتكامل مع الصحة النفسية ويطرح الكتاب المقدس، وفكر الآباء، وكذلك علم النفس المسيحي، رؤية متكاملة لتحقيق هذا السلام كطريق للنضج الروحي والإنساني.
أولاً: سلام النفس في الكتاب وفكر الآباء
+ الله هو مصدر السلام الحقيقي ومنه ناخذ سلامنا لنعيش في هدوء وتعزية وسط مختلف الظروف، يقول الرب يسوع: { سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ.} (يو١٤: ٢٧). هنا يوضح المسيح أن سلامه ليس مجرّد هدوء ظاهري، بل عطية إلهية قادرة أن تملأ القلب وسط الضيق: { وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.} (في ٤: ٧). أي أن سلام الله يتجاوز إدراك الإنسان، لأنه مرتبط بحضور الله في الداخل وليس فقط بغياب المشاكل.
+ إن سلام النفس هو ثمرة من ثمار الروح القدس
السلام يُعد إحدى ثمار الروح { وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ.} (غل ٥: ٢٢، ٢٣ ). فالإنسان لا يستطيع أن يصنعه بنفسه، لكنه يقبله كعمل إلهي في داخله حين يسلك في الإيمان والمحبة. حتى في العهد القديم نجد داود يقول: { بالسلام أضطجع بل أيضاً أنام، لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني} (مز 4: 8). هذا يوضح أن السلام ليس انعدام خطر خارجي، بل ثقة في الله الذي يحفظ ويريح كل متعب.
+ سلام النفس في فكر الآباء
+ يعرّف القديس أغسطينوس السلام بأنه "سكون النظام" أي أن النفس تدخل في انسجام داخلي حين تتوجّه بكليتها نحو الله، مصدر الطمأنينة. أما القديس أثناسيوس الرسولي فيربط بين الاتحاد بالمسيح والسلام قائلاً: "من يلتصق بالكلمة الإلهي، لا تزعزعه اضطرابات العالم، لأنه يتقوى بالحق غير المتغير."
ويشير القديس يوحنا ذهبي الفم إلى أن السلام ليس في الغنى أو السلطة بل في الضمير المستقيم: "لا شيء يقدر أن يزعج النفس الطاهرة، حتى لو تلاطمت عليها أمواج العالم." ويعلّمنا القديس الأنبا أنطونيوس الكبير أن السلام الداخلي ثمرة الجهاد الروحي ونعمة الله قائلاً: "الإنسان إذا حفظ قلبه من الأفكار المضطربة، وجد فيه الملكوت."
ثانياً: سلام النفس في علم النفس
+ يفسّر علماء النفس الرؤية النفسية للسلام الداخلي بأنه حالة من التوازن النفسي-العاطفي تنشأ من التكيّف الإيجابي مع الضغوط. في نظرية فيكتور فرانكل (Logotherapy)، السلام يأتي من إيجاد معنى للحياة حتى وسط الألم. ويشير علم النفس الإيجابي إلى أن الامتنان، الغفران، والتأمل، من أهم الممارسات التي تعزز سلام النفس. وهي متوافقة مع دعوة الكتاب المقدس: «اشكروا في كل شيء» (1 تس 5: 18).
+ إن الاضطرابات النفسية كالقلق والأكتئاب تهدد سلامنا النفسي وهنا يتقاطع العلاج النفسي مع العلاج الروحي، حيث يساعد الإيمان والتسليم لله على تقليل القلق المرضي.
ثالثا : وسائل عملية لتحقيق سلام النفس
+ الصلاة والتأمل .. الصلاة العميقة والهدوء الروحي يفتحان القلب لحضور الله. يجب أن نخصص وقت يومي لصلاة المزامير والصلاة يسوع الدائمة.
+ القراءة الروحية.. قراءة الكتاب المقدس وسير القديسين تغذي النفس بالرجاء وتعطى سلام للنفس.
+ المحاسبة اليومية تجعل المؤمن لا يتمادى في البعد عن الله ويتوب ويسترجع سلامه المفقود ويتقدم وينمو روحياً. لهذا يوصي الآباء بمراجعة النفس يومياً لتصحيح المسار، مما يمنع تراكم القلق والشعور بالذنب.
+ المساندة المجتمعية .. يبرز علم النفس أهمية العلاقات الداعمة. كما يؤكد أباء الكنيسة اهمية الشركة الأخوية كضمانة للسلام: { احملوا بعضكم أثقال بعض} (غل 6: 2).
+ ممارسات علاجية حديثة.. مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) لمواجهة الأفكار السلبية مع الإيمان المسيحي الذي يدعو إلى «تجديد الذهن» (رو 12: 2).
+ سلام النفس ليس رفاهية أو حالة شعورية عابرة، بل هو عطية إلهية وثمار جهاد روحي ونفسي متكامل. ويقدم الكتاب المقدس أساس هذا السلام في شخص المسيح، ويعمّقه الآباء في خبراتهم النسكية، ويدعمه علم النفس بوسائل عملية. وفي عالم يزداد اضطراباً، يبقى المؤمن مدعوّاً لأن يكون شاهداً لهذا السلام، كما قال الرب: { طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون}(مت 5: 9).
القمص أفرايم الأنبا بيشوى
المراجع
+ قلبنا وإنساننا الداخلي هو العرش المفضل لله الذي يشتهى الله ان يحل فيه { يا ابني اعطنى قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي}(ام ٢٣: ٢٦). ولهذا يوصينا الكتاب ان نلاحظ ونحفظ قلوبنا { فَوْقَ كُلِّ
حضور الله بيننا
للقديس أغسطينوس
+ " إن كان يليق بك أن تبحث عن الله بعينيّ نفسك، ربما تسقط في تجربةٍ بأن تتخيله بطرقٍ معينة. يظن البعض أنهم يدركونه كدفءٍ عظيمٍ وبهاءٍ، مثل أشعة الشمس،
من أقوال الأنبا شنودة رئيس المتوحدين
أعداد القمص أفرايم الأنبا بيشوى
التوبة اليومية هي سلاح المؤمن. من يراجع نفسه كل يوم، يبقى قلبه نقيًا. الاعتراف بخطاياه يجعله مستعدًا للقاء الله. فالذي يؤجل التوبة يعيش مثقلًا بالذنوب. أما التائب، فيحيا في فرح وسلام. والتوبة تفتح له باب الرجاء
أبونا يوساب الأنبا بيشويالمزيد" إن كان تنفيذ وصية الإنجيل مستحيلاً ؛ فالله أعطاني روحه قبل أن يأمرني بوصيته " أبونا / بيشوى كامل
انبا جوزيفالمزيدأف 6- وَأَنْتُمْ أَيُّهَا السَّادَةُ، افْعَلُوا لَهُمْ هذِهِ الأُمُورَ، تَارِكِينَ التَّهْدِيدَ، عَالِمِينَ أَنَّ سَيِّدَكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُحَابَاةٌ. كو 4- أَيُّهَا السَّ [ ... ]
أبونا مكاري الأنبا بيشويالمزيدربي يسوع المسيح، أشكرك لأنك أعطيتني هذه الأسلحة الروحية حتى أتمكّن بها من مقاومة مكايد إبليس وضدّ كل أجناد الشر الروحية.
ربي يسوع المسيح، أعلم أنّي بدونك لا أستطيع أن أفعل شيئًا، ولكن أحيانًا أنسى وأتكلُّ على ذراعي الب [ ... ]
حياة الفرح الروحي الفرح الروحي ليس مجرد شعور عابر بالبهجة، بل هو حالة وجودية عميقة تعكس حضور الله في حياة الإنسان. ويُعتبر الفرح عطية إلهية نابعة من الروح القدس { وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَ [ ... ]
أبونا افرايم أنبا بيشويالمزيد📖 وَلكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ». [لو10: 20] .
🎄 فرح الرسل إذ رأوا الشيطان ينهار أمام الإنسان خلال الكرازة ب [ ... ]
† ما نستنتجه إذن، من كلّ الحوادث في العهد القديم التي رسمت بها إشارة الصليب، كما ورد سابقاً، ومن رسم إشارة الصليب في حياتنا اليوميّة وحياتنا الليتورجيّة المسيحيّة، هو أنَّ إشارة الصليب هي: أولاً: برقٌ يسبق رعدَ النعمة ا [ ... ]
أبونا يسطس الأورشليميالمزيد" ولئلا أرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإعلانات أعطيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلَاكَ الشيطانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلَّا أَرْتَفِع. من جهة هذا تَضَرَّعَنتُ إِلَى الرَّبِّ ثلاثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فقال لي: " تَكْفِيكَ نِ [ ... ]
أحد رهبان دير الأنبا بيشويالمزيدأحبائي: الإنسان المسيحي إنسان سماوي، الأرض ليست وطنه. لا يتعلق قلبه بشيء من مقتنيات أو شهوات هذا العالم، يعلم أنه نزيل فيه وغريب. هو يستعمل ما في العالم دون أن يتمسك بشيء منه، ويعرف تمامًا أن حياته على الأرض فترة مؤقتة، وس [ ... ]
أبونا مينا الأورشليميالمزيد![]() | عدد الزائرين - | 3246442 |