• 01-1.jpg
  • 01-2.jpg
  • 01-3.jpg
  • 01-4.jpg
  • 01-5.jpg
  • 01-6.jpg
  • 01-7.jpg
  • 01-8.jpg
  • 01-9.jpg
  • 01-10.jpg
  • 01-11.jpg
  • 01-12.jpg
  • 01-13.jpg
  • 01-14.jpg
  • 01-15.jpg
  • 01-16.jpg
  • 01-17.jpg
  • 01-18.jpg
  • 01-19.jpg
  • 01-20.jpg

صفحة المتحدث الرسمي بإسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية

صمت يوسف
إنْ كان الصَّمت حقًّا لغة الدهر الآتي، فيوسُف خطيب العذراء هو مثال الإنسان في الدهر الآتي. لم يُسَجَّل أيٌّ من كلامِه في الأناجيل، ولا يوجد فيها أي ذِكْر لِحِواراتِه. هناك فقط وَصف لأعمالِه وأفكارِه. يتعاطى يوسف بِمَهابَة واحتِراز وصمت مع السِّر غير المُدْرَك لإخلاء إبن الله وكلمته لِذاته. وعندما تَسْتَولي عليه الأفكار ويُثقِلُه عَذاب الذِّهن الذي يُطاق، فحَينها تتكلّم السّماء.
لكن فلننظُر إلى الأمور منذ البداية. لقد تمّ اختيار يوسف وهو في عِقدٍ مُتَقَدِّمٍ من عمره كي يكون حامِياً ووَصِيّاً على العذراء. لكنها فيما كانت مَخطوبة له، وُجِدَت حُبلى "بالروح القدس”. وهذا سبّب له أفكاراً إذ اعتبر أن الحَبَل ناتِج عن زِنى. بحسب شاعِر وكاتِب نشيد المديح: “إضطربَ يوسف العفيف مَذْهُولاً في داخلهِ مِن أفكارٍ مُريبةٍ”.
يظهر هذا الإضطراب بصورة حيويّة ومؤثِّرة في نشيد آخر يُرَتَّل في الساعة الأولى من بارامون الميلاد:
“هكذا يقول يوسف للبتول، يا مريم، ما هذا الأمر الذي اشاهده فيكِ؟ انني انذهل وأتحيّر وقلبي يندهش. فَكوني منذ الأن مُنْتَزِحة عنّي في السرّ سريعاً.يا مريم ما هذا الأمر الذي اشاهده فيكِ؟ فقد جَعَلتِني عِوَض الكرامة خِزياً وعِوَض السرور حُزناً وعِوَض أن أكون ممدوحاً جَلَبتِ لي الذّم. فلا أطيق إذن أن أحتمل تَعيير الناس، لأني من هيكل الرب تَسلَّمتُكِ من الكهنة كَمُنَزَّهة عن كل لَوْم. فما هذا الأمر المُشاهَد؟”
رغم أفكاره، ظل صامتآ عَلَناً لأنه كان تَقِيّاً وصالِحاً.عندئذٍ تراءى له ملاك الرب في الحلم وقال له: “يَا يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ، لَا تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ. لِأَنَّ ٱلَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ٱبْنًا وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ. لِأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ.” (متى 21:1-22)
كان يوسف شخصاً فَريداً من نوعه لأنه تَبِع سبيل قلبه لا الناموس. لقد سُمِّيَ " صالِحاً " رغم أنه لم يكن مُتَعَلِّقًا بالناموس القديم لكنه تَجاوَزها بِمُساهَمَته في عمل النعمة. أضحى بَشيراً للعهد الجديد، ليس بحسب حَرفِيّة الناموس بل بروح الله "لِأَنَّ ٱلْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلَكِنَّ ٱلرُّوحَ يُحْيِي” (2 كورنثوس 6:3). علاوة على ذلك، البِرّ المسيحي هو أبعد من أي تَعَلُّق بحَرفِيّة الناموس.
كلمات الإنجيل حيّة وفَعّالة وأكثر حِدَّةً من أي سيف ذي حَدَّين، فهي تخترق أعماق النفس وتفحص أفكار الناس ونَواياهُم (عبرانيين 12:4). أما الصمت فقد أثبت أنه خَلاصيّ كالإنجيل. لا الصمت الناتِج عن الذَّنْب بل الصمت النّابِع من بساطة القلب، من الوضوح، من الرَّحابة ومن الطّاعة غير المَشروطة للمشيئة الإلهيّة. في حال يوسف، رافقَ الصمت أعجوبة ميلاد المسيح.
في زمن تسود فيه الثرثرة وكثرة الكلام وحتى الترويج للأخبار الكَنَسِيّة، إنه من المستحيل أن نُثَمِّن قيمة الصمت. والأصعب من هذا، في زَمَنِنا الحديث العَقْلانيّ، هو التَّعاطي مع التَّأنُّس الإلهي كما تَعاطى معه يوسف. لكن يوسف فاق العقل البَشَريّ وجعل قلبه أبيض كالثلج، فقد التمس "داخل قلبه" وجود الفادي "الذي صار فقيراً من أجلنا"، بِشَخص إخوته الأحِبّاء و"الآخرين" الذين هم آخر الناس.
(الأب باسيليوس)