• 01-1.jpg
  • 01-2.jpg
  • 01-3.jpg
  • 01-4.jpg
  • 01-5.jpg
  • 01-6.jpg
  • 01-7.jpg
  • 01-8.jpg
  • 01-9.jpg
  • 01-10.jpg
  • 01-11.jpg
  • 01-12.jpg
  • 01-13.jpg
  • 01-14.jpg
  • 01-15.jpg
  • 01-16.jpg
  • 01-17.jpg
  • 01-18.jpg
  • 01-19.jpg
  • 01-20.jpg

صفحة المتحدث الرسمي بإسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية

من مقالات الأنبا غريغوريوس أسقف عام البحث العلمي

الظاهر والباطن

 الرياء والإهتمام بالظاهر:

دعى المسيح له المجد إلى وليمة. إلى مأدبة غذاء من أحد الفريسيين، والفريسيون هم مذهب الذين أفرزوا أنفسهم متميزين عن غيرهم، بأنهم المحافظون والمتمسكون والمتشددون في العمل بالشريعة وتطبيقها، وهم من موقعهم هذا كفريسيين أقاموا أنفسهم حكاماً وقضاة بحيث أنهم يحكمون على من يقصر في إحدى مراسم الشريعة.

وهنا موقف أعتقد أنه متعمد من مخلصنا وسيدنا يسوع المسيح، دخل وجلس إلى المائدة، ولاحظ الفريسي الذي دعاه أنه لم يغسل يديه ورجليه قبل تناول الطعام، وكان الفريسيون علموا الشعب أنه ما لم يغتسل الإنسان قبل أن يأكل فإنه يعد نجساً، وحقيقة أن الإغتسال قبل الطعام فضيلة وهي فضيلة نافعة ومفيدة وبها يتقى الإنسان العدوى من الأمراض. وهي مسألة واجبة لصحة البدن، لكنها عند الفريسيين تعدت وتجاوزت حدودها كفضيلة لصحة البدن. وكفضيلة لوقاية الإنسان من الأمراض وخصوصاً الأمراض المعدية، تعدت إلى أن أصبحت فضيلة للطهارة. والطهارة المقصود بها هنا الطهارة التي تؤهل الإنسان بأن يكون أمام الله طاهراً.

 

هنا موقف المسيح له المجد، وهنا أراد أن يتدخل، تدخل لا تصحيحاً لأن يكون الإغتسال فضيلة للأبدان، بل تصحيحاً للتجاوزات التي تجاوز بها الفريسيون، ونظرتهم إلى عملية الإغتسال، بدلاً من أن تكون مجرد فضيلة لصحة البدن، تصبح فضيلة بها يقترب الإنسان إلى الله، ومن دونها يصير الإنسان نجساً أمام الله، وهنا التصحيح لمفهوم الطهارة، وانتهز السيد المسيح الفرصة ليصحح ويوبخ هذا التجاوز. والتوبيخ ليس على إهتمامهم بالنظافة فهذا أمر مطلوب، ولكن لا يحسب الإنسان أن هذا هو المطلوب له أمام الله لكي يصير طاهراً ونظيفاً. وأعتقد أن سيدنا له المجد ربما يكون قد قصد عمداً أن لا يغتسل قبل تناول الطعام، لكي يثير ذلك الرجل ويتخذ من هذه القصة فرصة لإظهار التعليم الصحيح فيما يتصل بهذا الموضوع.

يقول الإنجيل أن هذا الرجل تعجب لأنه لم يغتسل قبل تناول الطعام، هذا التعجب ربما مجاملة للمسيح، لم يظهره بشكل واضح بكلمات كالمألوف بإعتباره ضيفاً له، ولكن مخلصنا له المجد لا يعوزه أن يسمع هذا النقد من الرجل صراحة، إنما باعتباره الإله المتجسد عرف وعلم بشعور الرجل، وأراد أن يتناول هذه القضية لأنها عند المسيح قضية في غاية الأهمية والخطورة، لماذا؟ لأنها تنم عن داء وعن مرض رديء، هذا المرض هو الرياء، والرياء عند المسيح من الشرور إن لم يكن أشرها. وله عند الله جزاء وعقاب، لأن المرائي إنسان ليس فقط يخدع نفسه، إنما يظن أنه يخدع الله فضلاً عن أنه يخدع الناس.

الإنسان الذي يهتم أولاً بأن يكون مظهره ذلك المظهر الجميل، حتى يعجب به الآخرون ويرون فيه النموذج والأمثولة، بينما يكون باطنه حاقد وشرير ومملوء خبثاً، وقد شبهه المسيح بالقبور المزينة من الخارج، مزخرفة وفيها ديكور من الخارج، بينما من الداخل عظام أموات وأجسام عفنة نتنة. فهناك عفونة في القلب ورائحة كريهة في أعماق هذا الإنسان، ومع ذلك يغطيها بمظاهر يبدو بها أمام نفسه وأمام الآخرين أنه في قمة الفضيلة، هذا الرياء شر أمام الله عظيم.

 

والمسيح له المجد يبين لنا كيف أن مصير المرائين مصير شنيع، بقوله: من هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده، ليعطيهم الطعام في حينه، فإذا قال ذلك العبد الشرير في قلبه أن سيدي يبطيء في قدومه فيبتدىء يضرب العبيد رفقائه، يأتى سيده في الوقت الذي لا يعلمه، فيشطره إثنين ويقطعه ويجعل نصيبه مع المرائين (مت 24: 45 – 51).

لماذا قال يجعل نصيبه مع المرائين؟ لأنه أشنع نصيب. وعندما يقول: يأتى سيده . في الوقت الذي لا يعلمه فيشطره إثنين، هذا دليل التمثيل به، وهذا ليس العقاب العادي، هذا يعني أن الخدام ورجال الدين والذين هم في مكان الصدارة، إذا لم يقوموا بمسئوليات ومتطلبات خدمتهم يكونوا قد أساءوا إلى سيدهم، فماذا يكون نصيبهم؟ ليس نصيب العاديين من المقصرين والمهملين، لكن يكون نصيبهم شنيعاً بقدر المسئولية التي عندهم، يشطره إثنين، وهذا إشارة إلى عظمة العقاب وشدة العقاب، يشطره إثنين، ويقطعه، ويجعل نصيبه مع المرائين. من هنا نفهم أن نصيب المرائين نصيب بشع وعقابه عقاب شنيع.

نظرة المسيحية إلى الباطن والظاهر:

قيمة تعليم المسيح أننا نهتم بالباطن قبل الظاهر، لكن ليس معنى هذا أن لا يهتم الإنسان بالظاهر، لا .. بل يكون الإهتمام بالظاهر بعد الإهتمام بالباطن أولاً، كما أن . ” الإهتمام بالظاهر هو تعبير عن الإهتمام بالباطن، وكما قال سيدنا له المجد أن الإنسان أولا ينظف باطن الكأس والصحفة أي لا يكتفى بأن ينظفها من الخارج ويترك الداخل مملوء بالأوساخ، وهذا هو التعليم الذي كان مسيطراً على العقلية اليهودية نتيجة تعليم الكتبة والفريسيين الذين دعوا الإنسان بالإهتمام بالفرائض الظاهرية والإهتمام بالمظاهر، وهنا السيد المسيح يدعو أن الأولوية للباطن ولكن ليس معنى هذا أننا نهمل الظاهر. لكن أولا نهتم بالباطن وبعد ذلك الظاهر، لأن الإنسان لو شغل بالظاهر أولاً قد يهمل ويقصر في النظر والإهتمام بالباطن. مشكلتنا نحن البشر أننا حسيين ونتأثر بالظواهر ونتأثر بالحواس، حتى عالمنا اسمه عالم الظواهر وليس عالم الحقائق في ذاتها، كثيراً من الناس تقابلهم في الطريق وتسلم عليهم، وتجد إنسان ظريف مهذب ويعرف الأصول ولا تغيب عليه قواعد الإتيكيت، والآداب الإجتماعية فهو مهذب جداً، إنما في بعض المواقف تخرج القذارة من الداخل في مثل هذه المواقف: حالة السكر الشديد الذي ينفك فيها عقاله فلا يعقل تصرفاته ولا يربطها، فتخرج القاذورات من الداخل ويظهر الإنسان على حقيقته. وكذلك في حالة الغضب الشديد يظهر الإنسان على حقيقته وتخرج الكلمات التي كنت لا تتصور أن تسمعها، في ثورة الغضب انفك العقال وخرجت القاذورات، والخطايا.

 

وكذلك في حالة البنج عندما يكون الإنسان تحت البنج، يخرج كلام يقول عنه الناس أنها تخاريف، ولكنها هي ما بداخل الإنسان.

والحالة الرابعة هي الأحلام، الإنسان يحلم بالليل وهو نائم، وهنا أيضاً ينفك وتخرج من الداخل على مسرح الأحلام الأشياء المدفونة والرغبات المكبوتة، وجميع الأمور التي لا يظهرها أمام الناس تخرج في الحلم، ولذلك ممكن أن أحلام الإنسان تدل على ما بداخله، ولذلك ممكن أن تضاف الأحلام عند أب الإعتراف إلى قائمة الإمتحانات التي يمتحن بها تلميذه في الإعتراف، ليعرف من أحلامه ما في باطنه.

هنا توجيه السيد المسيح له المجد، وهذا ما يميز المسيحية، أنها تعليم يوجه وينبه إلى أهمية الباطن عن الظاهر، لكنه لا يلغى أهمية الظاهر، أنظف الكأس والصحفة أولاً من الداخل ثم بعد ذلك من الخارج.

الكتاب المقدس يقول عن السيدة العذراء: «كل مجد ابنة الملك من داخل»، ما هو مجدها من الظاهر، لا يوجد، بنت فقيرة يتيمة لا أب ولا أم، وبلا عائل، ولا غنى ولا مركز ولا منصب ولا ثقافة ولا حاجة أبدأ أبدأ أبدأ من الأشياء التي يقيم الإنسان بها في المجتمع البشري، من المركز أو المنصب أو العائلة … هذه نظرة المجتمع.

ما قيمة العذراء مريم؟ لماذا اختار المسيح العذراء دون نساء العالمين؟ يقول الكتاب المقدس: نساء كثيرات نلن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعاً، بماذا فاقت على الجميع؟ لماذا اختارها الله للتجسد منها؟ لماذا استحقت هذا الشرف؟ الله ليس إختياره عبثاً، وليس إختياره إعتباطاً، الله يختار الشخص المناسب والمؤهل بأن يقوم بهذا الدور، حتى ينجح وفى نجاحه نجاح للتدبير الإلهي، فالعذراء ليست كأي فتاة، كل مجدها من الداخل. لا يوجد أي أهلية من الخارج تبرزها عن أي فتاة أخرى.

فإختيار الله للعذراء لم يكن اتفاقاً ولا إعتباطاً، بل كانت العذراء جديرة بهذا الشرف، ولذلك الملاك عندما ظهر لها قال لها: السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، لاحظوا كلمة ممتلئة نعمة، يعني مشحونة نعمة، إذن قبل أن تختار لهذا الشرف ويولد المسيح منها كانت هي ممتلئة نعمة، وهذا هو الأساس الذي أختيرت عليه، أو السبب الذي أختيرت من أجله لأن تنال هذا الشرف.

 

فمريم من حبها للطهارة وللنقاء عاشت في الهيكل في هذا الجو الروحاني، ولكن بعد خروجها من الهيكل أحبت أن تكمل حياتها في الطهارة، لأنها عشقت الطهارة وعشقت النقاء، نقاء الباطن، وطهارة الباطن قبل طهارة الظاهر، إيمانها، فضيلتها، طهارتها، قداسة سيرتها، كل هذا هو مجدها الداخلي، فحياتها تطبيق حقيقي لتعليم المسيح في أن ينقى الإنسان داخل الكأس والصحفة وبعد ذلك يكون خارجها نقياً. ولذلك العذراء مريم نموذج وتطبيق للتعليم المسيحي، نقي أولاً داخل الكأس والصحفة وحينئذ يكون خارجهما نقياً.

هنا توجيه المسيحية العظيم، توجيه المسيح للإهتمام بالباطن ولكن ليس معنى ذلك أن نهمل الظاهر، لذلك سيدنا له المجد يقول: يا أيها الناموسيون يا أبناء الشريعة الويل لكم لأنكم تعشرون النعنع والشبث والشذاب والكمون وتركتم أثقل الوصايا الحق والرحمة والإيمان. لم يقل الويل لكم لأنكم تعطوا العشور!! لا .. ولكن لأنكم تركتم أثقل
الوصايا الحق والرحمة والإيمان، اهتممتم أن تعطوا عشور الأعشاب الحقيرة مثل الشبث والكمون وتركتم هنا التوجيه المسيحي، والتعليم المسيحي، هنا الإنقلاب الذي أراده المسيح للتعليم، نعم الإنقلاب لأن النظرة القديمة الإهتمام بالمظاهر، والمسيح اليوم يقلب . الأوضاع بالإهتمام بالباطن أولاً، ثم بالظاهر بعد ذلك. اعملوا هذه ولا تتركوا تلك، اسمعوا هذه الكلمة واحفظوها، «اعملوا هذه ولا تتركوا تلك»، هنا التعليم الأرثوذكسي، ممكن واحد يقول لك: كل لحوم ولا تنهش لحم أخوك هذا هو التعليم البروتستانتي، هم أيضاً يريدوا أن يقولوا أن الباطن أهم، لكن هذا ليس التعليم الأرثوذكسي، التعليم الأرثوذكسي «اعملوا هذه ولا تتركوا تلك»، نعطى الأولوية للباطن، لكن لا يطغى إهتمامنا بالظاهر على الباطن، لأن عادة نحن كبشر حسيين ننسحب بسرعة إلى الإهتمام بالظاهر، لأن الظاهر الأسهل الذي أمامنا، فالمسيح يحذرنا أن لا نهتم بالظاهر ونترك الباطن لا .. الباطن أولاً ولكن لا تهمل الظاهر أيضاً، اعملوا هذه ولا تتركوا تلك، لذلك العبادة تكون عملية مشتركة بين الروح والجسد. الساجدون الله يسجدون بالروح والحق، إذن يوجد سجود بالروح، ويوجد سجود بأن يركع الإنسان ويضع رأسه على الأرض، فالسجود بالروح ليس مجرد عملية جسدانية، أن الإنسان يسجد بجسده بينما روحه أو عقله شارد، أو يقول ألفاظ الصلاة بلسانه وعقله مسحوب في شواغل أخرى خارجية وإهتمامات باطنية، وقلبه مسحوب في رغبات وفى شهوات وفي ميول وفي نزوات، قلبه بعيد كما قال: قلبكم مبتعد عنى بعيداً، القلب مبتعد، هنا الجريمة، هنا الخطيئة، هنا الخداع الذي لا يقبله أبدأ. الله لا يضحك عليه، ممكن أن تضحك على الناس، وتضحك على نفسك، القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، فممكن الواحد يخدع نفسه، وممكن يخدع غيره، ولكن حتى الغير يأتي وقت من الأوقات ويعرف أنك مرائی، «ثوب الرياء يشف عما تحته».يشف كما يكون الإنسان لابس ملابس شفافة تكشف عما تحتها، فثوب الرياء يشف عما تحته، الله لا ينفع معه الرياء، الشخص الذي يرائي هذه تعتبر جريمة كبيرة، لأنه لو كان مؤمن بالله لا يظن في نفسه أنه يقدر أن يخدع الله أو يخدع الآخرين.