أولاً: مفهوم صغر النفس حسب الآباء علماء النفس
يُعد صغر النفس (Inferiority of the soul) من أخطر الحالات الداخلية التي تصيب الإنسان، حيث يشعر بالدونية والعجز وعدم الاستحقاق أمام نفسه أو أمام الآخرين أو حتى أمام الله مما يعيق استمتاعه بالحياة وكراهية الاخرين او حتى نفسه هذه الحالة عندما تكون مستمرة وليس مجرد ضعف عابر، تتحول إلى معوق للنمو الروحي والنفسي، وتؤدي إلى الاكتئاب أو الانعزال أو الإحباط فيشعر الإنسان بالعجز وعدم الأهمية ويتعلق العلاج بقبول النفس والأعتماد علي الإيمان للتغلب علي المتاعب والمشاعر السلبية وتقدير الذات والبحث عن نقاط القوة في الإنسان وتقويتها فإله السماء يعطينا النجاح وعلينا ان نثق في محبة ونجاهد وننجح هكذا فعل داود النبي وتقوى بالإيمان امام الاسد والدب وغلبهما ومن معونة الله له استمد قوة وانتصر علي جليات الجبار ، والقديس بولس الرسول جاهد الجهاد الحسن يكرز ويبشر بملكوت الله. ونحن مخلوقين علي صورة الله ومثاله وعلينا أن نقبل ذواتنا ونثق في الله وأنفسنا وفي تغلبنا علي الصعاب في الماضى ومنها نستمد قوة للنجاح والاحساس بالقيمة في الحاضر والمستقبل.
+ لقد اهتم آباء الكنيسة منذ القرون الأولى بصغر النفس وعلاجه وقالوا أنه ثمرة لابتعاد النفس عن الله وفقدان ثقتها في محبته، كما تناولها علماء النفس كحالة مرتبطة بتقدير الذات (Self-esteem) والشعور بالنقص والدونية، فالقديس يوحنا الذهبي الفم يقول "إن كنا نعتبر ضعفنا أعظم من نعمة الله، فإننا نسيء إلى محبته ونفقد سلامنا" والقديس أنطونيوس الكبير: يشير إلى أن النفس إذا تذكرت خطاياها بلا رجاء في رحمة الله، يتحول الاتضاع إلى يأس، ويُسحق الإنسان داخليًا. أما القديس باسيليوس الكبير فيميّز بين التواضع كفضيلة وصغر النفس كعِلّة، لأن التواضع يقوم على الثقة بالله، أما صغر النفس فناتج عن فقدان الرجاء.
+ اما في مجال علم النفس فيعرّف ألفرد أدلر عقدة النقص بأنها شعور بالدونية مما يولِّد الانسحاب أو محاولة تعويض مبالغ فيها. ويري علم النفس الحديث أن صغر النفس مرتبط بانخفاض تقدير الذات، وبخبرات الطفولة السلبية والمقارنة المستمرة بالآخرين.
ثانياً: أسباب ونتائج صغر النفس
لصغر النفس أسباب روحيه كضعف الإيمان بمحبة الله، وتراكم الشعور بالذنب، وغياب الرجاء في الخلاص، والمقارنة المستمرة بالآخرين او من تحقير الأخرين للشخص. فقد اسقط يسى داود من حسابه بين أخوته ( ١ صم ١١:١٦) واحتقره اخوه بكبرياء { وَسَمِعَ أَخُوهُ الأَكْبَرُ أَلِيآبُ كَلاَمَهُ مَعَ الرِّجَالِ، فَحَمِيَ غَضَبُ أَلِيآبَ عَلَى دَاوُدَ وَقَالَ: «لِمَاذَا نَزَلْتَ؟ وَعَلَى مَنْ تَرَكْتَ تِلْكَ الْغُنَيْمَاتِ الْقَلِيلَةَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ أَنَا عَلِمْتُ كِبْرِيَاءَكَ وَشَرَّ قَلْبِكَ، لأَنَّكَ إِنَّمَا نَزَلْتَ لِكَيْ تَرَى الْحَرْبَ».} (١صم ١٧: ٢٨). والنقد المستمر في الطفولة، الفشل المتكرر، الحرمان العاطفي، الضغوط الاجتماعية كلها تؤدى إلي صغر النفس وفقدان الرجاء، والعجز عن الصلاة بثقة، والانغلاق على الذات، والوقوع في تجربة اليأس. وقد يقود الطموح الزائد مقابل الامكانيات المحدودة الي الوقوع في المشاكل والفشل مما يؤدى الي صغر النفس ويقود صغر النفس الي القلق، الاكتئاب والانعزال وصعوبة اتخاذ القرارات وضعف العلاقات.
ثالثاً: العلاج الروحي
+ الثقة في محبة الله: لابد ان نثق ان الله يقبلنا ويحبنا رغم ضعفنا وهو يريد أن يعمل معنا وبالصلاة والعمل الجاد نستطيع كل شئ{ أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.} (في ٤: ١٣) وعلينا أن نقبل أنفسنا وما لا يمكن تغييره فينا ونعمل علي تطوير ذواتنا والتعلم من التعثر في حياتنا ونفهم ذواتنا ونقبلها. الله يشجعنا قائلاً { لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت} (لو 12: 32).
+ التوبة والاعتراف: ان الله يعد التائب بالغفران وعندما يغفر ينسى ويمحو فالتوبة تعيد للنفس إحساسها بالحرية ويقوى في الضعف { لِيَقُلِ الضَّعِيفُ: «بَطَلٌ أَنَا!} (يو ٣: ١٠)
+ الشركة الكنسية: تعطي للمؤمن إحساس بالانتماء والكرامة في جسد المسيح (1كو 12: 12–27). وعلينا نساعد ونكمل بعض كاعضاء في جسد المسيح.
أما العلاج النفسي
+ العلاج المعرفي–السلوكي: يكون بمواجهة الأفكار السلبية واستبدالها بأفكار بنّاءة تنمي وتبني وتشجع الإنسان وتقوده للنجاح.
+ تنمية تقدير الذات: من خلال الاعتراف بالنجاحات الصغيرة وتنمية القدرات.
+ العلاج الجماعي والدعم المجتمعي: لتقوية الروابط الإنسانية.
+ العلاج المتكامل: يجمع بين الإرشاد الروحي والدعم النفسي.
يشدد الآباء على أن قيمة الإنسان مستمدة من محبة الله وصورته فيه. أما علماء النفس فيركزوا على إعادة بناء تقدير الذات وتنمية القدرات. التكامل بينهما يجعل العلاج شاملاً، يعيد للإنسان رجاءه بالله وثقته بنفسه.
إن صغر النفس مرض داخلي يهدد سلام الإنسان الروحي والنفسي، لكنه ليس قدرًا محتوماً. فالمسيحية تقدّم علاجًا جوهريًا. فقيمة الإنسان تأتي من كونه مخلوقًا على صورة الله ومحبوبًا لديه. أما علم النفس فيوفر أدوات عملية لإعادة بناء الذات. بالتكامل بين الاثنين ينال الإنسان شفاءً متكاملاً ويستعيد هويته كخليقة مكرمة قادرة على النمو الروحي والنفسي والاجتماعي.
المراجع
- الكتاب المقدس
- يوحنا الذهبي الفم، عظة على رومية.
- أنطونيوس الكبير، أقوال الآباء (بستان الرهبان).
- باسيليوس الكبير، رسالة إلى الشباب.
- مقاريوس الكبير، العظات الروحية.

