تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

تعيش النفس البشرية في صراع دائم بين دعوتها للامتلاء بالنعمة والنور والنمو والتقدم، وبين ضعفها وتعثرها وما تواجهه من فشل. هاتان الخبرتان ليس مجرد أحداث حياتية، بل فرص تكشف أعماق النفس، وتشكل مسارها نحو النضج الروحي والنفسي. فالنجاح والفشل جزء لا يتجزء من رحلة الحياة وعلينا تدريب النفس علي النمو الروحى من كليهما وقبول الفشل والتعثر كجزء من طبيعة تجارب الحياة بدون أحباط او يأس فهو فرصة للتعلم والتطور مع السعي لتجنب تكرار الأخطاء والعمل المتواصل لتحقيق أهدافنا من خلال الصبر والمثابرة وتقوية الإيمان بقدرة الله والثقة في النفس لمواجهة التحديات والصعاب والإيمان بنعمة الله العاملة فينا ومساندتنا في جهادنا لنقول مع القديس بولس الرسول { أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي.} (في ٤: ١٣). علينا أن نفهم ونتعلم من النجاح والفشل.

أولاً: نجاح وفشل النفس في الكتاب وفكر الآباء..

+ النفس هي مركز الفكر والإرادة والعاطفة، وهي موضوع محبة الله وفدائه. محبة الله مقدمة لكل نفس { لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. }(يو ٣: ١٦). والله يريد أن الكل يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون، وقد وهب لكل نفس أمكانيات ووزنات علينا ان نستثمرها لتحقيق رسالتنا. والنجاح الحقيقي يرتبط بالطاعة والسير وفق مشيئة الله: { لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهاراً وليلاً... حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح} (يش 1: 8). ويحدث الفشل الروحي حين تنغلق النفس عن الله وتتصرف بعدم حكمة ولا تهتم بخلاصها ولا تستخدم وزناتها كما يجب وتتكاسل وتهمل في واجباتها او تسير عكس ارادة الله { يَا سَيِّدُ، لِتَكُنْ أُذْنُكَ مُصْغِيَةً إِلَى صَلاَةِ عَبْدِكَ وَصَلاَةِ عَبِيدِكَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مَخَافَةَ اسْمِكَ. وَأَعطِ النَّجَاحَ الْيَوْمَ لِعَبْدِكَ وَامْنَحْهُ رَحْمَةً} (نح ١: ١١). إن الله يريد لنا البركة والنجاح { لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ.} (٢ تيم ١: ٧). لكننا نعلم أن ما يزرعه الانسان فاياه يحصد { لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا.  لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ.} (غل ٦: ٧-١٠). فالنجاح بحسب الإنجيل ليس في الإنجاز الزمني فقط، بل في الأمانة والاتحاد بالله في كل ظروف الحياة المتغيرة  { أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا.} (يو ١٥: ٥).

+ اما في فكر الاباء

فالقديس أغسطينوس: يؤكد أن راحة النفس لا تتحقق إلا في الله: "خلقتنا لك يا الله، ولن تستريح نفوسنا حتى تستقر فيك". ويؤكد القديس يوحنا ذهبي الفم على أن الفشل في نظر الناس قد يكون نجاحاً عند الله، مستشهداً بالمسيح المصلوب الذي بدا ضعيفاً لكنه حقق ووهب لنا الخلاص. ويعتبر القديس أنطونيوس الكبير أن التجارب والفشل الظاهري يُربّيان النفس على التواضع، ويجعلانها أكثر التصاقاً بالله. فعند الآباء الفشل ليس نهاية، بل مدرسة لتزكية النفس، والنجاح يقاس بمدى الشركة مع الله والتعلم من السقوط او الأخطاء { وَلكِنَّنِي أُرَاقِبُ الرَّبَّ، أَصْبِرُ لإِلهِ خَلاَصِي. يَسْمَعُنِي إِلهِي. لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي. أَحْتَمِلُ غَضَبَ الرَّبِّ لأَنِّي أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ، حَتَّى يُقِيمَ دَعْوَايَ وَيُجْرِيَ حَقِّي. سَيُخْرِجُنِي إِلَى النُّورِ، سَأَنْظُرُ بِرَّهُ. }(مي ٧: ٧-٩)

ثانياً: من منظور النفسي المسيحي

علم النفس المسيحي يضيف بُعداً عملياً لفهم النجاح والفشل: فيرى فيكتور فرانكل (الطبيب النفسي مؤسس العلاج بالمعنى) أن الإنسان يستطيع أن يجد معنى حتى في الفشل والألم، إذا ما عاشه في ضوء رسالته الوجودية وإيمانه. أما كارل يونغ فأشار إلى أن مواجهة النفس لظلّها الداخلي في ضعفها وفشلها شرط أساسي لاكتمال الشخصية. ويؤكد علم النفس الإيجابي المسيحي أن النجاح النفسي ليس فقط تحقيق إنجازات، بل الوصول إلى نضج داخلي وتكامل في قوى النفس من العقل، العاطفة، الإرادة مع وعي رسالتنا للحياة.

ثالثاً: التكامل بين الأبعاد الثلاثة

  • الكتاب المقدس: يضع الأساس – النجاح في طاعة الله، والفشل في الانفصال عنه.
  • الآباء: يوضحون أن الفشل فرصة للتوبة والتعلم، والنجاح ثمر الاتحاد بالله.
  • علم النفس المسيحي: يفسر كيف تمر النفس بهذه الخبرات، وتعيد بناء ذاتها لتبلغ النضج.

رابعاً: سبل تنمية النفس في النجاح والفشل

  • روحياً: الثبات في الصلاة، التوبة، والأسرار الكنسية.
  • نفسياً: تقبل الفشل كجزء من النمو، والتعلم من الأخطاء والتعثر والتوبة وسماع صوت الله { هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ. إِنْ شِئْتُمْ وَسَمِعْتُمْ تَأْكُلُونَ خَيْرَ الأَرْضِ. وَإِنْ أَبَيْتُمْ وَتَمَرَّدْتُمْ تُؤْكَلُونَ بِالسَّيْفِ». لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ.} (إش ١: ١٨-٢٠)
  • عملياً: وضع أهداف واقعية تتفق مع قيم الإنجيل والسعي للوصول اليها يوماً فيوم واضعين نصب أعيننا طلب ملكوت السموات وبره { لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ.} (مت ٦: ٣٣). وفي السعي الي الملكوت نسعي في التوبة لنقاوة القلب وطاعة الروح القدس والنمو في حياة الفضيلة والبر ومحبة الله والناس وعمل الخير.
  • في العلاقات : بناء نجاح مشترك يقوم على المحبة والبذل والعطاء والأمانة مع النفس وفي الاسرة والعمل والمجتمع ومعرفه رسالتنا والقيام بها بضمير صالح وقلب طاهر وإيمان بلا رياء.

+ إن النجاح والفشل ليس غاية في ذاتهما، بل هما وسيلتان لبلوغ النفس دعوتها الحقيقية. النجاح الأصيل هو امتلاء النفس من حضور الله، والفشل يتحول إلى بركة إذا ما تعلمنا منه بروح التوبة والرجاء والتطلع لمستقبل أفضل بمعونة إله السماء {فَأَجَبْتُهُمْ وَقُلْتُ لَهُمْ: «إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي.} (نح ٢: ٢٠). وهكذا تصير النفس أكثر شبهاً بالمسيح الذي جاء لتكون لنا حياة أفضل.

المراجع

  • الكتاب المقدس
  • أغسطينوس: الاعترافات.
  • يوحنا ذهبي الفم: عظات على متى ورسائل بولس.
  • أقوال الآباء: بستان الرهبان.
  • Frankl, V. (1946). Man's Search for Meaning.
  • Jung, C. G. (1953). Psychology and Religion.
  • McMinn, M. R. (1996). Psychology, Theology, and Spirituality in Christian Counseling.

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي