تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

+ الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله (تك 1: 26)، لكن الخطية شوّهت هذه الصورة وأدخلت على النفس البشرية الأهواء التي تصير قيودًا تربط النفس بالخطية لذلك ركّز آباء الكنيسة على الجهاد ضد الأهواء لنوال الحرية في المسيح.

أولاً: مفهوم الأهواء وتصنيفها عند الآباء

يقول القديس باسيليوس الكبير: "الهوى هو حركة النفس خارج حدود الطبيعة" (Homiliae, PG 31: 185). أما القديس يوحنا كاسيان: "الأهواء هى أمراض الروح التي تفسد نقاوة القلب" (Conferences, V, 23). ويميز القديس غريغوريوس النيسي بين الأهواء الطبيعية والشريرة قائلاً: "ما أعطي للبقاء هو طبيعي، وما ينحرف عن غايته يصير هوىً مميتًا".

ثانيا: تصنيف الأهواء ومراحلها

أعطى إيفاغريوس البنطي (†399م) ويوحنا كاسيان (†435م) قائمة من ثمانية أهواء رئيسية: البطنة او الشراهة. والزنا والشهوة. ومحبة المال او الطمع. والغضب. والحزن غير المقدس. والكسل والمجد الباطل والكبرياء. وبحسب القديس مكسيموس المعترف، تمر الأهواء بمراحل: الاقتراب الفكري وفيه الشر يطرق باب العقل. ثم المحادثة والدخول في حوار مع الفكر. فالموافقة قبول الفكر. ثم الفعل والتنفيذ العملي ومن التكرار الذي يولد عبودية. ومن سمات الأهواء أنها تبدأ صغيرة ثم تتضخم { وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا.} (يع ١: ١٤، ١٥). والاهواء تتسم بالمخادعة: تظهر كلذة وتنتهي بالمرارة { تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ.}(ام ١٤: ١٢). الاهواء تحطم وتدمر النفس { كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية} (يو 8: 34). كما أن الأهواء مترابطة ومتشابكة فالكبرياء تولد المجد الباطل، والكسل يولد الشهوة، والغضب يولد الحزن.

ثانياً : وسائل الانتصار على الأهواء

  1. التوبة والدموع فالتوبة والدموع هي تجديد لوعود المعمودية والحياة الروحية مع الله "التوبة تجدد المعمودية". يقول القديس باسيليوس الكبير "طوبى للذي يحكم على نفسه كل يوم بالتوبة".
  2. الصلاة الدائمة

يقول القديس إيفاغريوس: "إن أردت أن تصلي، فكن عدوًا للأهواء". والصلاة السهمية القلبية الدائمة (يا رب يسوع المسيح ارحمني) سلاح قوى ضد الأفكار الشريرة.

  1. الصوم وضبط الجسد.. فالسيد المسيح صام وعلمنا ان الصوم والصلاة يخرجان الشياطين { فَقَالَ لَهُمْ: «هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».} (مر ٩: ٢٩) ويقول القديس باسليوس "كما أن الماء يطفئ النار، هكذا الصوم يخمد لهيب الشهوة".
  2. السهر الروحي واليقظة

الرب يسوع المسيح يدعونا الي اليقظة والسهر الروحي { اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ.  وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. }(مت ٢٤: ٤٢، ٤٣) ويقول احد القديسين "اليقظة هي أن تراقب أفكارك كما يراقب الحارس أسوار المدينة".

  1. الاعتراف والإرشاد الروحي

يقول يوحنا كاسيان "كما يشفى الجرح إذا وُضع في النور، هكذا النفس تُشفى حين تكشف أمراضها في الاعتراف".

  1. الاتضاع..

إن كانت الكبرياء قد اسقطت الملائكة فهى تبعد عنا نعمة الله وتسقط المحاربين فان التواضع يعين ويخلص وينصر المتواضعين { تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي الْهَوَانُ، وَمَعَ الْمُتَوَاضِعِينَ حِكْمَةٌ.} (ام ١١: ٢){ تَأْتِي الْكِبْرِيَاءُ فَيَأْتِي الْهَوَانُ، وَمَعَ الْمُتَوَاضِعِينَ حِكْمَةٌ.} (ام ١١: ٢) ولهذا يدعونا السيد المسيح ان نتعلم منه الوداعة والتواضع ويقول الأنبا أنطونيوس: "رأيت جميع فخاخ العدو مبسوطة على الأرض، فتنهدت وقلت: من ينجو منها؟ فأجابني صوت من السماء: المتواضعون ينجون".

  1. المحبة العملي..

لان الله محبة فمن يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه {وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ. }(كو ٣: ١٤)المحبة تطرد الأنانية وتحرر من الكبرياء.{  وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. }(١ تي ١: ٥)

ثااثاً : هدف الانتصار على الأهواء

الأهواء تستعبد الإنسان وتفصله عن الله وتجعله فريسة لإبليس وجنوده وللشر ومتى تحولت فيه الي عادات فانها تسيطر علي النفس وتهلك الروح وتورث القلق والاكتئاب واليأس. ان هدفنا من الأنتصار علي الأهواء ليست مجرد قمعها بل الانتصار عليها والتخلص منها بهدف الاتحاد بالله. فيرى القديس اغريغوريوس النيسي أن  "الحياة المسيحية صعود متواصل من مجد إلى مجد". والنفس النقية ترى الله {طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ.} (مت 5: 8). أن للأهواء أعداء داخليون يحاربون النفس بلا توقف، لكن نعمة المسيح أقوى وتعين وتنصر المجاهدين فلا شئ يستطيع أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا { مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. }(رو ٨: ٣٥-٣٩). إن الانتصار علي الأهواء يتحقق بالتوبة، واليقظة الروحية لضبط الفكر، والصلاة، الصوم، الاعتراف، والاتضاع. وحين تتحرر النفس من سلطان الأهواء، تصير أيقونة حيّة للمسيح، تمتلئ بالسلام والمحبة، وتدخل إلى فرح الملكوت.

 ✍ صفحة مقالات أبونا إفرايم الأنبا بيشوي