مقدمة
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ ( إر 2 : 2 )
+ الحياة الرهبانية هي طريق الكمال المسيحي قوامها البتولية والطاعة والفقر الاختياري، وهدفها خلاص النفس والإتحاد بالمسيح.
+ وتعتبر الرهبنة قلب الكنيسة النابض الذي دائماً ما يسهر مُصلياً من أجل سلامتها ورفعتها، لذا قال عنها القديس إكليمادوس: " الرهبنة هي درجة الملائكة الذين لا يفترون ليلاً أو نهاراً عن خدمة ملكهم ، ومن دخل فيها بانحلال وكسل قد صّير نفسه أشقي حالاً مما لو كان بانحلال في العالم".
+ كما أن حياة الرهبنة مليئة بالأسرار والدروس والتجارب، فهي تعبر عن مواقف يومية قد يتعرض لها الآباء في البرية، فيأخذوا منها خبرة بإرشاد الروح القدس ليتوارثها الأجيال، لذا لزم فيها التلمذة والإرشاد. (أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا )" عب 13 : 17 ".
+ ومن ناحية أخرى، الأدب القبطي القصصي أو الروائي أحتل مكانة رفيعة بين أنواع الأدب المختلفة القديم منها والحديث، بما له من تأثير فعّال علي القارئ أكثر من المعلومات أو المقالات الجافة، وذلك فى توصيل الهدف أو المعنى المرغوب بشكل أكثر سهولة وتأثيراً .
+ ومع تطور العصر في الآونة الأخيرة،بدأ الفن يستخدم الأدب الروائي أو القصصي للقيام بالأعمال الدرامية أو الفكاهية وغيرها... في صورة مسرح ، فيديو ، بانتوميم ….. (Pantomime)وهذا ما نراه حالياً بشكل جَلَّى في الخدمة داخل إيبارشيات كنيستنا القبطية الأرثوذكسية .
+ ومن هنا جاءت – بنعمة الله – فكرة روايات رهبانية قصيرة ،والتي نهدف فيها تقديم بعض من فضائل وخبرات الحياة الرهبانية - والتي قد يكون بعض من أجزائها محاكياً للواقع - لنأخذ منها مبدأ وعظة وعبرة في حياتنا الروحية ، باعتبار أن الرهبنة الحقيقية هي كمال الحياة الروحية المسيحية .
+ بطل هذه الروايات الراهب " كيرلس" الذي نعيش معه خبرة روحية جديدة في كل رواية.
+ كُلى رجاء أن يكون شعارنا كشعار الروايات (لنكتسب فضيلة من كل رواية )...
ولإلهنا المجد الدائم في كنيسته
إلى الأبد آمين ،،
القلب الجريح
- " ....ولم يعد معي من النقود يا أبونا سوى ألف جنية وعملية قسطرة القلب لابني تتكلف أكثر من خمسون ألف جنية وهو ابني الوحيد "
نطق بهذه العبارة والد طفل الذى يقرب من نهاية عقده الرابع ، وعلامات الحزن والأسي ترتسم على وجهه النحيل أثناء تواجده معي فى مكان خدمتي بعيادة الدير .
وأخذ الحوار يدور بيننا وهو يدفن وجهه بين كفيه لمدة تزيد عن العشر دقائق، حاولت فيها إعطاءه كثير من الآيات والأقوال التي تحث علي الرجاء و الإيمان والتمسك بالله .
وقبل مغادرته من العيادة لفظ أمامي عبارة توقفــت عندهــــا لوهــــلات ، عنــــدما تنهــــد وهــــو
يضع يده على صدره قائلاً :
( ومن التعليمات الطبية لابني أن يتواجد في مكان جيد للتهوية ، وأنا لا أملك حتي مروحة سقف داخل شقتي ) .
جلست أرمق هذا الرجل ذو القلب الجريح وهو يتحرك أمامي نحو باب الخروج حتى أختفى من مرمى بصرى، وأخذت قصته المؤلمة تعتصر قلبى وتملأ ذهنى ووجدانى طوال اليوم ...
+++
أتممت خدمة هذا اليوم وأتخذت إتكالي أن أتحرك من مكان خدمتي إلي قلايتي، وكان هذا يوماً من أيام صيف شهر أغسطس حيث درجات الحرارة المرتفعة التي قد تتعدى الأربعين درجة . وأنا في طريقي للقلاية أخذت أتذكر في قلبي قبل عقلي ، آخر جملة قالها لي والد الطفل المريض وهي أنه لا يمتلك حتي مروحة سقف لابنه المريض !!!
أنشغل عقلي كثيراً بهذه المشكلة حتي وصلت إلي باب قلايتي وقمت بتحيتي المعتادة لها قبل الدخول وعلامات السرور والراحة تنتابنى قائلاً :
- السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة .
ثم دخلت القلاية بعد أن أوصدت بابها خلفى، وجلست في المضيفة على كرسيها الوحيد ، ووجدت رغبتي في الارتواء بقليل من الماء بسبب هذا الجو الحار .
وبينما أنا أرتشف كوب الماء وقعت عيني علي مروحة السقف المتواجدة داخل قلايتي، فتوقفت عن الشرب فجأة ، وتذكرت كل ما حدث معي في صباح هذا اليوم مع والد الطفل ذو القلب المريض . وسرحت لنصف ساعة كاملة وكوب الماء مازال بيدى، وحدقتى عيناي متمركزتين نحو هذه المروحة كما لو كنت لأول مرة أراها في حياتى .
قطع صمتى بغتةً صوت الهاتف الخاص بالطوارىء الطبية التي أخدم فيها ، فرددت على الفور قائلاً :
- أغابى ... ابن قدسك (كيرلس) في خدمتك.
وسرعان ما أرتسمت علامات الارتياح على وجهى ، وأنا أسمع صوت مميز لقلبى قبل أذنى يقول لى :
- ابــــنى الحــبيــــب (كيرلس)...... أشتــقـــت
لرؤياك يابني ..بقى لى أيام لم أراك فيها.
فرددت على الفور بنبرة مملؤه من النشوة والفرح قائلاً :
- أبى القديس (أنُسيمُس).. كم أنا سعيد لسماع صوتك ...
- أخطيت يا أبى في هذه الفترة يتواجد زوار كثيرون للدير ، فأجلس معظم يومى في العيادة تحسباً لأى موقف يحتاج للتدخل الطبي السريع ...
ثم استطردت قائلاً :
- المهم كيف حال وصحة أبى الوقور.
فرد الأب الراهب (أنُسيمُس) بنبرة تدل على الرضا قائلاً :
- أبوك (أنُسيمُس) يُحسب الآن من الشيوخ ، ويكفيه سنون عمره السبعين في غربة هذا العالم.
فرددت بنبرة مملؤه بالعطف قائلاً :
- لا تقل هكذا يا أبى .. ليُعطك الرب طول العمر والصحة كما أعطى لمتوشالح، لنستفد دائماً بمحبتك الفيّاضة وبإرشاداتك وأرائك الصائبة.
ثم استطردت مبتسماً وأنا أقول :
- ويُضاف شيئاً آخر يا أبي ... دائماً ما تقوله قدسك لى .... فقدسك دائماً مع سنوك الطويلة هذه في الرهبنة ، كلما سألتك عن رهبنتك تقول لى بجدية إنى صغير على الرهبنة،لم أترهب بعد .
فرد الأب (أنُسيمُس) :
- نعم يا ولدى لم أترهب بعد...فالرهبنة ليست بالزى الأسود أو بعدد السنين .
فابتسمت وأنا أقول:
- أذن مازلنا صغار ، لا تقل قدسك لى ثانيةً العجز والكبر يدقان بابى...
- ولكن على كل حال ، ليُعطك الرب الصحة ... مُرنى يا أبى أنا تحت قدميك .
فرد الأب (أنُسيمُس) بابتسامة قائلاً :
- كُلك بركة يا بنى ، كنت احتاج بعض من نصائحك الطبية عن آخر روشتة كتبها لى الطبيب.
فرددت على الفور قائلاً :
- نأخذ بركة يا أبي .....
وها الرب يرسل لى عوناً من السماء أيضاً ، لإنى أحتاج إلى نصائحك الروحية العميقة يا أبى لموقف قد حدث معى منذ ساعات قليلة....
ثم ابتسمت قائلاً :
- أريدها نصائح طارئة .....
لأعرف ما هو علاج هذا القلب ......
القلب الجريح ......
يتبع الأسبوع القادم الفصل الثانى