عندما تشفع أبونا إبراهيم لأجل سدوم وعمورة (تكوين 18: 16–33)، بدأ يطلب من الله أن لا يهلك المدينة إن وجد فيها أبرار، وبدأ العد التنازلي من خمسين حتى وصل إلى عشرة.
† لكن لماذا توقف عند عشرة ولم يُكمل؟
اولاً:
لأن الرقم عشرة هو أدنى عددٍ يُشكّل جماعة صالحة
في الفكر اليهودي القديم كان يُعتبر أن عشرة أشخاص هو العدد الأدنى لتكوين مجموعة مؤمنة تُصلّي — وهذا ما صار فيما بعد قاعدة في المجامع اليهودية.
فكأن إبراهيم يقول:
"يا رب، إن وُجد جماعة صغيرة من الأبرار (عشرة فقط) تُمثّل البقية الأمينة، فهل تهلك المدينة لأجلهم؟"
ثانيا :
- لأن إبراهيم كان يعلم أن لوط وأسرته هم تقريبًا هذا العدد
- لوط كان له زوجة وبنتان، وربما صهران أو أولاد (تكوين 19: 12–14).
- قد يكون إبراهيم ظنّ أن لوط وأهل بيته مع بعض المؤمنين الآخرين قد يُكملون عشرة أبرار.
- لما نزل العدد إلى عشرة شعر أن الطلب صار معقولًا وكافيًا، ولم يُرد أن يُلح أكثر.
ثالثا:
- الرقم عشرة في الكتاب المقدس يشير إلى الناموس أو المقياس الأدنى للبرّ الإنساني.
فكأن إبراهيم يقول:
"يا رب، إن وُجد في المدينة أقل حدّ من البرّ (عشرة أبرار يحفظون وصاياك)، فارحم الجميع لأجلهم."
رابعاً:
تواضع إبراهيم أمام الله، رغم جرأته في الشفاعة، إلا أن إبراهيم قال بتواضع: "هأنذا شرعت أتكلم إلى المولى وأنا تراب ورماد" (تك 18: 27).
- لم يُرد أن يتجاوز الحدّ في الإلحاح، بل اكتفى عند العشرة تواضعًا وخشوعًا.
خامساً:
- لم يحتج إبراهيم أن يقول أكثر، لأن الله يعرف أنه لو وُجد حتى بارّ واحد مثل لوط، لكان قد أخر الإهلاك — وبالفعل نجا لوط وحده.
💡 خلاصة روحية:
الله كان يُظهر لإبراهيم أن رحمته عظيمة جدًا، لكنه لا يُجبر الناس على التوبة، وأن وجود قلة أمينة يمكن أن يكون سبب بركة للكل — لكن عندما تنعدم البقية، يأتي وقت القضاء.
🛐 “قوة الشفاعة والبقية الأمينة”
حينما وقف إبراهيم أمام الرب يشفع في سدوم، لم يكن يتحدث مع إلهٍ قاسٍ، بل مع أبٍ رحوم. لم يطلب إبراهيم خلاص نفسه، بل رحمةً للآخرين الذين ربما لا يعرفونه.
وهكذا يعلّمنا أن الصلاة الحقيقية لا تقتصر على احتياجاتنا، بل تمتدّ لتشمل العالم كله.
ورغم أن سدوم كانت مدينة غارقة في الشر، إلا أن الله كان مستعدًا أن يؤجل القضاء إن وُجد فيها عشرة أبرار فقط! يا لعظمة هذا الإله الذي يرحم الكثرة من أجل القليل. لكن المأساة أن الشر كان قد غطّى على صوت البر، فلم يُوجد العشرة.
🙏
كم يحتاج عالمنا اليوم إلى “عشرة أبرار” يقفون في الثغر، يصلّون، يشفعون، ويعيشون بالحق!
ربما لا ندرك كم من الشرّ يُرفع عن الأرض بفضل صلوات البقية الأمينة.
🕯 فلنكن نحن من هذه البقية — الذين لا يُدانون الشر، بل يطلبون الرحمة لأجله، ويضيئون كشموع وسط الظلام.
“وطلبتُ من بينهم رجلاً يبني جدارًا ويقف في الثغر أمامي عن الأرض لكي لا أُهلكها، فلم أجد” (حزقيال 22: 30).